بقلم " محمد طلبة رضوان
أمامي عدة ملاحظات لا تمر على متابع لأحداث العمرانية المؤسفة:
1- الشباب الذين تعاملوا مع قرار الإدارة المحلية في الجيزة القانوني بشأن بناء كنيسة بالعمرانية، استخدموا في التعبير عن اعتراضهم على القرار زجاجات المولوتوف القاتلة!!!
2- المظاهرة العنيفة بدأت منذ السابعة صباحا، ولم تكن مقتصرة على الشباب الغاضب المتحمس، بل شارك فيها من تقترب أعمارهم من الخمسين، حسب التقارير الصادرة عن مستشفى أم المصريين بشأن المصابين، والأخطر من ذلك مشاركة قسّ رسمي تابع للكنيسة المصرية، وهو ما يعكس تخطيطا وتدبيرا مسبقا تحت رعاية رجل دين مسئول.
3- تعامل الإعلام القبطي مع الحدث لم ينطلق من موقف وطني يحاول أن يستنكر ما حدث، مثلما فعلت الكنيسة المصرية الواعية، ولم ينطلق من موقف اعتذاري يحاول أن يتبرأ من الحدث، ولا حتى موقف تبريري يحاول أن يجد لهؤلاء المتطرفين بعض العذر، مع الاعتراف بخطأهم الشنيع تجاه أنفسهم ودينهم وبلادهم، بل انطلق في أغلبه من منطق هجومي وصل إلى حد وصف موقع "الأقباط متحدون" لما حدث في الجيزة بأنه "غزوة" العمرانية، في إشارة سخيفة إلى مسئولية متوهمة للمسلمين عما حدث، ولا يمر علينا أثر كلمة كهذه في أجواء توتر طائفي على أي مسلم متابع، وما تحمله من دلالات الاستعداء الواضح.
4- اعتذار الكنيسة ووصْفها للمتظاهرين بأنهم "قلة غير واعية"، جاء مشفوعا بطلب عاجل بالإفراج عن هذه القلة غير الواعية!!! وهو موقف غريب ومتناقض، فكيف تُفرج الحكومة عن مجموعة من المواطنين -أيا كانت انتماءاتهم العقدية- بعد اعتدائهم بالقنابل على رجال الأمن.. الموقف يعكس دلالة مهمة فيما يتعلق بتعامل الكنيسة مع ملف التطرف الديني.
وماذا بعد؟
الأمر خطير.. فهذا الفصيل المسيحي المتطرّف أصبح له وجود حقيقي داخل الكنيسة المصرية، يرعاه قساوسة رسميون، ويخطط له من لديهم القدرة على قيادة الشباب والدفع بهم على قارعة طريق سياحي مهم مثل شارع الهرم، وفي هذا التوقيت المبكر، وبهذا التنظيم المسلّح، فماذا تبقّى حتى نتعامل مع المسألة بشكل أكثر جدية، بعيدا عن عبارات "قلة غير واعية"، التي لن تقدم ولن تؤخر في أزمة من هذا النوع.
هذا الفصيل يستخدم في كل مرة شكلا مختلفا من أشكال العنف.. من التظاهر غير السلمي إلى التظاهر والاشتباك بالأيدي ثم الطوب والحجارة، والهتافات العدائية التي تحمل قدرا كبيرا من الكراهية والرفض، والآن قنابل المولوتوف.. لاحظ أن المسألة تتزايد في كل مرة، وإهمالها اليوم يعني أن الخطوة القادمة أخطر مما نتخيل.
هذا الفصيل المتطرف يتعامل مع الشأن القبطي في مصر باعتباره فوق القانون وفوق الوطن ذاته، فالشباب الذين اشتبكوا مع الأمن تناسوا عن عمْد أن إجراءات محافظة الجيزة سليمة تماما من الناحية القانونية، وأن التراخيص المستخرجة لهذا المبنى لم تكن تراخيص لبناء كنيسة، ومع هذا رأى الشباب أن من حقهم أن يفعلوا ما يشاءون، دون تدخل من أي جهة سيادية من الدولة؛ فهذا شأن يخصّهم وحدهم، ومن تسوّل له نفسه أن يقترب من خصوصياتهم فلن يلقى سوى المولوتوف المشتعل.
هذا الفصيل يلقى دعما من رجال دين، ومن رجال إعلام وثقافة، وممن لديهم الاستعداد لدفع ثمن الأسلحة التي بدأت بالمولوتوف، ولا يعلم إلا الله تعالى إلى أين ستنتهي بنا، ومن العبث تجاوز المسألة واعتبارها حدثا فرديا في مجتمع يتمتع بالتنوع الديني.. فكل خطاب يستدعي نقيضه، والمولوتوف المشتعل فعل قد يكون له رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضادّ له في الاتجاه.. والوطن في مرمى النيران في الحالين.. فمتى نتحرك جميعا "بجد"؟!