واجبات المحامي
إن واجب المحامي هو الدفاع عن المظلوم، ولكن هل كل المتهمين مظلومون ؟ وماذا يفعل المحامي إذا وكل عن متهم معترف ؟ بل ماذا يفعل إذا وكل عن متهم منكر اعترف له بارتكاب الجريمة ؟
هذه أسئلة لا تجد ردًا عليها في الكتب، ولكننا نعرف الرد عليهم من تقاليد المحاماة الشريفة العريقة، حقًا إنه ليس كل المتهمين مظلومين، ولكن قل إن تجد منهما غير جدير بالرحمة والعطف، فكثيرًا ما نصادف متهمين مثقفين من عليه القوم دفعتهم الظروف دفعًا إلى ارتكاب جريمة في ثورة غضب، أو دفعًا لإهانة، وجلَّ من لا يخطئ.....
وهناك متهمون ارتكبوا جرائم دون أن يكونوا مسؤولين عنها لسبب من أسباب الإباحة وموانع العقاب: كمن يرتكب جريمة بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة (مادة 60 عقوبات)، ومن يرتكب جريمة دفاعًا عن النفس أو المال (مادة 61 عقوبات) أو من يرتكب جريمة وهو فاقد الشعور أو الاختيار في عمله، إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة إذا أخذها قهرًا عنه أو على غير علم منه بها، (مادة 62 عقوبات) أو الموظف الذي يرتكب الفعل تنفيذًا لأمر صادر إليه من رئيس تجب عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه، أو يرتكب الفعل بحسن نية تنفيذًا لما أمرت به القوانين أو ما أعتقد أن إجراءه من اختصاصه (مادة 63 عقوبات).
وهناك متهمون غير مسؤولين مسؤولية كاملة عن الأفعال التي ارتكبوها لمرض عقلي أو نفسي أو عصبي - كالعته والشيزوفرانيا والحالات السيكرباتية....
في هذه الحالات يجب على المحامي أن يبرز ويثبت للمحكمة ظروف الحادث، وسبب الإباحة أو موانع العقاب إن وجدت، وحالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة من الوجهة العقلية والنفسية والعصبية، مستعينًا بتاريخ المتهم وأثر الوراثة وتقارير الأطباء الأخصائيين، مع بيان الظروف المخففة.
ولكن ما العمل إذا كان المتهم قد أنكر ارتكاب الجريمة وباح لمحاميه بارتكابها ؟
لا شك أن في هذه الحالة تعارضًا بين ضمير المحامي وواجبه إذ هو لا يستطيع إفشاء سر المهنة، كما أن ضميره لا يطاوعه على طلب البراءة.
ومن حسن الحظ إن هذه الحالة نادرة الوقوع، حيث لا يبوح المتهم عادةً لمحاميه بارتكاب الجريمة إذا كان قد أنكر ارتكابها أمام المحققين، حيث لا يجد فائدة تعود عليه من الاعتراف للمحامي.
فإذا حدث ذلك فإنه يجب على المحامي أن يتنحى عن الدفاع في القضية - إرضاءً لضميره ومحافظةً على مصلحة موكله - وفي هذه الحالة يوكل المتهم محاميًا آخر لن يبيح إليه في هذه المرة بسره، فيتولى المحامي الجديد الدفاع عنه مرتاح الضمير لطلب البراءة.
وهذه إحدى التضحيات التي تحتمها على المحامي تقاليد مهنته الشريفة...
المحامون تحت التمرين
إن مدة السنتين التي يقضيها المحامي تحت التمرين هي إحدى الصعوبات التي تواجه خريجي الحقوق، بل هي الصدمة الأولى التي تجابهم، إذ يرون زملاءهم من خريجي المعاهد الأخرى يباشرون عملهم فور تخرجهم، ويتقاضون مرتبات محترمة تتناسب مع مؤهلاتهم، بينما يضطرون هم - دون سواهم - إلى قضاء هذه الفترة يقومون بأعمالهم أمام المحاكم وفي المكاتب دون أن يتقاضوا أجرًا مناسبًا، أو دون أن يتقاضوا أجرًا أصلاً...
والذنب في ذلك ليس ذنبهم، بل ذنب النظام السخيف الذي يفرض عليهم قضاء أربع سنوات كاملة في كلية الحقوق يحشون أدمغتهم بدراسات نظرية وتفصيلات دقيقة وفروض قد لا تتحقق أبدًا ويندر أن تصادفهم في العمل أصلاً دون أن يتمرنوا على تحرير عرائض الدعوى والمذكرات، أو يشهدوا جلسات المحاكم وما يدور فيها من مرافعات، أو يطلعوا على الأحكام والتحقيقات، أو يلموا بمختلف إجراءات التقاضي أمام المحاكم، وتحرير العقود وشهرها بمكاتب التوثيق والشهر العقاري !!!
ولا ندري لماذا لا تختزل بعض الدراسات النظرية، والتفصيلات التي لا طائل تحتها، وتخصص السنان الأخيرتان - إلى جانب الدراسة النظرية - للتمرين عمليًا على تحرير عرائض الدعاوى والمذكرات وإجراءات التحقيق وشهود جلسات المحاكم وزيارة أقلام الكتاب والمحضرين ومكاتب التوثيق والشهر العقاري تحت إشراف أساتذتهم، كما هو الحال في الكليات العملية مثل كليات الطب التي يقضي طلبتها العامين الأخيرين في المران بالمستشفيات - وكليات الهندسة التي يتمرن طلبتها في المصانع - ومدارس المعلمين التي يقوم طلبة السنة النهائية ليس فقط بزيارة المدارس بل بإلقاء الدروس على التلاميذ !!!
هذا هو الحل العملي الوحيد لمشكلة المحامين تحت التمرين، ففيه حفظ لكرامتهم وتجنيبهم صعابًا لا يجوز أن يتعرض لها أمثالهم من الشباب في مستهل حياتهم العملية.